مؤيد البيطار

في تحذير لافت يعكس تحولاً محتملاً في معنويات السوق، أشار بنك "جيه بي مورغان"، أحد أكبر البنوك الاستثمارية في العالم، إلى أن موجة الصعود القوية التي شهدتها الأسهم الأمريكية قد تصل إلى نهايتها، وذلك بالتزامن مع أول خفض لأسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي)، والمتوقع هذا الأسبوع.

يأتي هذا التحذير في وقت تحوم فيه المؤشرات الرئيسية بالقرب من مستويات قياسية، مما يطرح تساؤلات جوهرية حول استدامة هذا الزخم.

وفقاً لمحللي البنك، فإن التاريخ يقدم دروساً مهمة؛ فعلى الرغم من أن خفض أسعار الفائدة يُعتبر نظرياً محفزاً للأسهم عبر خفض تكلفة الاقتراض وتشجيع الاستثمار، إلا أن الواقع العملي يُظهر أن الأسواق غالباً ما تتفاعل بشكل مغاير.

التحليل التاريخي الذي استند إليه البنك يشير إلى أن قمة صعود الأسهم تتزامن عادة مع آخر رفع للفائدة، لتبدأ بعدها مرحلة من التباطؤ أو حتى التراجع فور بدء دورة التيسير النقدي.

السبب في هذه الظاهرة، التي قد تبدو غير بديهية، يكمن في الدوافع وراء قرار الفيدرالي بخفض الفائدة.

فالبنك المركزي لا يقدم على هذه الخطوة إلا عندما تظهر بيانات اقتصادية مقلقة، مثل ضعف سوق العمل أو تباطؤ النمو، وهي العوامل ذاتها التي تؤثر سلباً على أرباح الشركات وثقة المستثمرين.

 وبالتالي، يكون خفض الفائدة بمثابة رد فعل على تدهور اقتصادي قائم بالفعل، وليس مجرد إجراء استباقي لتعزيز اقتصاد مزدهر.

وهذا ما يطلق عليه في وول ستريت "بيع الخبر" (Sell the News)، حيث يكون السوق قد سعّر بالفعل توقعات خفض الفائدة، وعندما يتحقق الخبر، يبدأ المستثمرون في التركيز على الأسباب الكامنة وراءه، وهي غالباً ما تكون سلبية.

نظرة متشائمة للدولار وفرص في الأسواق الناشئة

لم يقتصر تحليل "جيه بي مورغان" على سوق الأسهم الأمريكية وحدها، بل امتد ليشمل رؤية أوسع للأسواق العالمية.

ويتوقع البنك أن يشهد الدولار الأمريكي هبوطاً بنسبة تتراوح بين 4% إلى 5% خلال الأشهر المقبلة.

ويُعزى هذا التوقع إلى تقلص الفجوة في أسعار الفائدة بين الولايات المتحدة والاقتصادات الكبرى الأخرى، بالإضافة إلى المخاوف المتزايدة بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي الأمريكي الذي كان المحرك الرئيسي لقوة الدولار في السنوات الأخيرة.

في المقابل، أبدى البنك تفاؤلاً ملحوظاً تجاه فئات أصول أخرى. فعلى النقيض من نظرته الحذرة للأسهم الأمريكية، يرى "جيه بي مورغان" فرصاً واعدة في الأسواق الناشئة.

وتستفيد هذه الأسواق عادة من ضعف الدولار، الذي يقلل من عبء ديونها المقومة بالعملة الأمريكية ويجعل صادراتها أكثر تنافسية.

كما أن أسهم قطاع التعدين تحظى بتوصية إيجابية من البنك، مدفوعة بالطلب المتوقع على المواد الخام من الاقتصادات الناشئة والتحول العالمي نحو الطاقة النظيفة الذي يتطلب كميات هائلة من المعادن الصناعية.

السندات طويلة الأجل: الملاذ الآمن المفضل

في بيئة تتسم بالضبابية الاقتصادية وتوقعات بتباطؤ النمو، يبرز دور الأصول الآمنة. وفي هذا السياق، يفضل "جيه بي مورغان" السندات طويلة الأجل.

 فمع بدء دورة خفض الفائدة، تميل عوائد السندات إلى الانخفاض، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها.

وبالتالي، توفر السندات طويلة الأجل للمستثمرين فرصة لتحقيق عوائد رأسمالية، بالإضافة إلى كونها أداة تحوط فعالة ضد مخاطر تراجع أسواق الأسهم.

في الختام، يقدم تحليل "جيه بي مورغان" رؤية استثمارية متكاملة تتسم بالحذر تجاه الأصول التي حققت مكاسب قياسية، مع توجيه الانتباه نحو الفرص الكامنة في مناطق وفئات أصول أخرى لم تواكب نفس موجة الصعود.

الرسالة الأساسية للمستثمرين هي أن البيئة التي سادت في السنوات القليلة الماضية، والتي اتسمت بسيولة نقدية وفيرة وأداء قوي للأسهم الأمريكية، قد تكون على وشك التغير. ومع استعداد الفيدرالي لتغيير مساره النقدي، يبدو أن إعادة تقييم المحافظ الاستثمارية وتوزيع الأصول بشكل أكثر توازناً قد أصبح أمراً ضرورياً لمواجهة المرحلة المقبلة.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.